قراءة في قصيدة

 قراءة في قصيدة "بعيداً عن العراق"

للشاعرة بشرى البستاني



كل شيء يمكن تأجيله

إلا حضورك

ودمعة ساخنة


حضور باذخ لغياب حاضر في ذهن القصيدة ، يتربع على وعي السامع أو القارئ المتخيل ، داخل النص وخارج السياق.

تمتلأ إراداته بشغف التعلق بشيء ما، يدركه الوعى ، مركون في زاوية من زوايا روحه  وخبايا عقله.

يستنطقه النص ؛ ليملأ فراغ الفضاء ، ويفصح عن مكنوناته الغائرة في عمق الذاكرة. ويستدعيه على البوح ضمن آفاق الممكن والا مستحيل.


لا أستطيع أن أقول لحضورك انتظر

فالحرب تلعب في العراء

وأنا غير راضية عني

لأني بقيت واقفة ودجلة يبتعد


تضاد حركة الفعل مع الزمن ، داخل مخيلة الشاعر يحدد هوية النمط الذي يرسمه حول معصم الواقعة ، أو الحدث ، فهو من ينفث روحه داخل الوعى لتتسرب ، معطياته واتجاهه نحو حدث ما ، ويستقرئ مكامن الوجع ، داخل سحابة الوقت التي تمضي سريعاً دون رحمة في تقصي كشف حقائق أسرار الوجود  ونزع اعترافات تتواءم وسلوك اللحظة.  

بقيت واقفة ودجلة يبتعد.  أصبح الوطن كالسراب ، يتلاشى أمام نظرها ، وهى واقفة تنظر إليه .

عندما تصاب النفس الإنسانية ، تشكلنا برؤيتها، ليتدفق الإبداع في البحث عن مكامن الفقد والبعد والحرمان.

فتصبح الزوايا خيوط أو شبكة نمسك بها، ونحرك العالم كيما نشاء بالكلمات.

فتتحرك الأشياء الساكنة أمامنا، ونجعلها من تغادر.

حجم الفاجعة كبير جداً وثقيل على النفس، لذلك تنجرف معه كل الأحلام ، والآمال ، والأوطان.

لنسقط في هوة الوداع المقيتة، التى فرضتها قيود الحياة.



بعيداً عنك

لا أنام ولا أصحو

وانتظر الهدهد


تكتمل مشهدية الإنتظار ، بنزوع النص نحو تفكيك الوجع، وتأصيل مشروعية اللقاء المرتقب، العودة إلى الحضن الدافئ ( الوطن).   

     

إذا كنت هناك أتننفسك

فماذا سأتنفس وأنت بعيد..؟

أه... ما أوجع أن أتنفس بعيداً

عنك

عن مياهك التي تطوق ذاكرتي

ودغلك الذي يوشوشني

وعن الرصاص الذي لم يتعب من الخطيئة


لم يعد سراً اكتمال مشهدية الوجع ، وقد بلغ منتهاه .

تركت باب النص مفتوح ، لنمضي في تقصي حقائق هذا الكيان ، بحض الذاكرة على الاستقلاب- من  (الانقلاب ) على الوجع ، وترقيع حدوده.  والتغلب على مصادرة كتمان الإحساس بالفراق والبعد.

والبوح بمشاعر أنهكتها الذكريات والحرب.       

استقرار نمطية الوجع داخل مفهوم الوعي ، يفرض نظام محدد مع

 علاقات الشاعر بالأشياء، والأمكنة ، والأزمنة فهي تتألف حسب

 مقتضى الشعور.


كلما علمتني قانون التعود 

يعاودني صوتك مستفزاً

براعُتكِ في القدرة على كسر القانون

فأختار البراعة وأكسر القانون

وأتبعك


كل شيء يصبح عصي على الفهم ، عندما تتفلت ارادة الحياة 

داخل الوعي ، لتقف النصوص في مواجهة الواقع الذي يرفض الانصياع لقوانين وارادة الحياة.



غيابك وزر يجثم على صدري

وزر يقطع أوصال صبري

آه.. من المجروح أنت أم أنا..؟


في جزء من الذاكرة يحتاج إلى ترميم، يظل يقتات من حياتنا،ويشعل فتيل الثورة داخل المشاعر، لتتم على يديه إبادة ما تبقى من أمنيات.

                                                                       

على كتفيك تنفرط عناقيد وجعي 

ويموت البجع الأخضر في دمي 

وأضل متشبثة بساعديك

بينما القطار يدهسنا

تنفرط عناقيد الوجع، فنتشبث برداء الأمل ليغطي ضجيج الروح  وينتشل الوهم من أضلاع الحقائق المكتنزة داخل طوابير الإنتظار .  ليمضي الزمن وقد أخذ معه ما تبقي من حلم العودة إلى الوطن. 


قلت لي ، نولد ونمو ت فرادى

قلتُ، لماذا أنتظرك صباح ومساء إذاً


ينغمس النص في سؤال تكتمل معه بنية الحوار

المنزاح داخل ذات أرهقها الإنتظار.


نهران يشتعلان في دمي

نهران من خمر وشهد وحمى

وتراب من زبرجد

حمى الوجع تستشري نيرانها تتغذى على يقظة اللحظة 

   لتغافل القصيدة عن مسارها داخل الوعي فيحكم اغلاقه على مسارات الهمس داخل مسام القصيدة.




أتمرن كل ليلة على

جملة واحدة

عذبتني وسأنسك

أتمرن على همس

لا أحبك

فمن يمحو اللاءات

فجر كل يوم

ويثبت على اللوح

المحفوظ.. أحبك!

تتعذب القصيدة بين يدي الشاعر عندما يمنحها كنوزه

فترسم لاءاته في وجه الفعل المتعدي على قدسية اللحظة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق