ظل

 قصة قصيرة

أحضر ورقة وقلماً ، وبدأ بتغيير أرصفة الشوارع؛ أعاد تركيب البنايات.
نقلها قطعة قطعة ، أعاد تشكيلها لتتناسب مع مقاس الورقة.
الشوارع المرصوفة أمامه  ظل يتأملها ، يثابر في طيها داخل جعبة الورقة.


لن يتمكن من نقلها الآن .. يحمل بين يديه رصيد كاف من الوقت ليعيد تأثيث المكان.
البنايات ، الشوارع المهجورة ، الأزقة ، كل ما من شأنه أن تفوح منه رائحة المكان.


والزمن ؟ لم ينسه بالطبع ، تأمل عقارب الساعة بجانبه، الحادية عشر مساءاً .
سيطوي في إحدى جيوبه عقاربها، ويعيد تشييدها  من جديد.


أمتلك فرص عدة لمنح الوقت آخر أنفاسه. 
يدور كمن يلاحق حصان سريع ، يلهث فوق الورقة يمسك بما تبقى من أخيلة تدور رحاها داخل عقله


أمسك مقبض روحه ، وراح يوزع نفسه على المكان.
بدأت الأحداث كخيوط متشابكة . قال لنفسه: سأعيد تركيبها  وتفكيكها من جديد، انغمس في عقله مرة آخرى.


نظر إلى ساعته المطوية داخل وقته ، ما يزال هناك متسع ليراجع ذاكرته، ويفتش في زواياها عن محفظة تركها سهواً، سقطت من فجوة الزمن.


يرتب حصصه مع نفسه ، تبدي حركة يديه في الهواء صور لأشكال متعددة يتبناها عقله.


يرمم جدار مازال ينهار بداخله ، يكافح في صقل روحه، والتماعتها بين أضواء النجوم المتساقطة على ورقته.


من وراء النافذة يشاهد كل ما يجرى خلفها ، يلاحقه بوعيه المغموس في رقعة ضوء، تنبعث خافته من عمود إنارة يضئ بصمت.


يوحي إليه المكان بشيء ما ، أثقل كاهله تذكره ، عليه جلب وعيه معه في المرة القادمة، يشاهد صور أكثر تتساقط منه ، أمام ذاكرته المفتوحة، التي نسي أن يقفل بابها ذات مساء.


راحت تزعجه برنين السيارات ، وهمهمة صوت المطر 
إنها تغسل روحه ، تملأ الندوب التي تركت بداخله
يوم أن تصارع مع الزمن في لحظة طيش وغضب .
ترك قلمه يمحو كل أثر لمرور الوقت.


اندس بين أصابعه، راح يمزق آهاته فوق قوالب الأسمنت الجاهزة ليبني فوق الورقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق